هذه الخواطر كتبتها يوم كنت مقيما بمراكش الحمراء، في تلك الأيام التي خلت منذ
سنتين تقريبا، كنت أحمل قلمي ودفتري، فأكتب ما يعن لي مما ألا حظه من أمور تثيرني
وتلفت نظري، وقد أتت متنوعة المقاصد مختلفة المواضيع، أشارككم بعضها لعلها تنال من
رضاكم نصيبا وافرا:
- هي البوصلة التي توجه كل تائه حائر في أمره، هي التي تصل المسلم بعالم الغيب، الحبل الرفيع الذي يربط المسلم بقدره المحجوب، الشعاع اللامع الذي يضيء طريق المجهول، دعاء بين عبد جاهل خاضع ذليل حائر، وبين رب عليم قدير له فضل لا يبلغ مداه، ملجأ كل صادق يريد حفظ دينه من تقلبات الزمان، وتوالي الليالي والأيام، هي ثمرة الرضا، والطريق الموصلة لمقام الإستسلام، هي صلاة الإستخارة! بها تطلب الخير من الله، فالحمد لك يا الله!
- لاشيء يعطى دون مقابل! ولا شيء يمنح إلا بعد جهد! أما إن تخليت عن دينك، جاءتك الدنيا مقبلة! وإن استمسكت به، تولت عنك! لا تسلم الحياة الزمام لك، إلا بالصبر! فمن عاش بمبادئه لسعته سياط المعاناة! ومن تغرب علم حقيقة الوطن! وعند البعد، يزداد تقدير الأحبة! وعند الهجرة، تسفر الحياة عن وجهها! فمن استمسك بحبل الله نجا! ومن كان مثلي.. أيقن أنه لا شيء!
- أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه؟ أي نعم، لا مجيب إلا الرب القريب، سبحانه ما أعظم رحمته بالمستضعفين، يبتليهم، حتى إذا بلغت طاقتهم مداها، أغاثهم! ورحمهم! وعفا عنهم! لذلك يكون المشرك مخذولا في مثل هذه المواطن، وقد ينجو بفضل الله أيضا! أما أهل التوحيد الخالص، فهم أهل الله وخاصته، لهم من الله جزيل العطايا وعظيم الهبات، فرحماك ربي بي، في البر كنت أم في البحر، مضطرا أم مخيرا ، غنيا أم فقيرا، رضيت بك ربا، ورضيت بقضائك وقدرك، فلك الحمد بعد الحمد!
- إن لربنا جل في علاه حِكما باهرة، وأقدارا قاهرة، لا اختيار للمرء فيها، كل حكمة، وكل رحمة، لو تأملها العبد وأحسن فيها التدبر، لعلم أنه مُشرَّف بشرف عظيم جدا، نعم، قد تكون مليئة بالآلام والأحزان مرات كثيرة، لكن يكفي لمن أعمل عقله، أن يبصر عواقبها السعيدة حتى يخف عليه الوطء، أما إن صاحب ذاك الرضا، فهنيئا له! حينها فقط يحس العبد بمعنى الإستسلام لله، ومنه يتجدد له معنى الإسلام، ويزداد يقينه في شهادة ألا إله إلا الله، ويزداد تعلقا بأسماء الله الحسنى، كالحكيم والعليم والرحيم والقدير واللطيف!!؛ والغربة مع الهجرة، من تجليات هذه الحكمة لمن عاناها، حيث يذر الراحل خلف ظهره، الأهل والأحباب والأصحاب، وملاعب الصبا، يتركها ليصير بين قوم غرباء عنه، لا قرابة بينهم ولا صلة ولا مودة، فيحس أول ما يحس بالمرارة الممضة، فيحن إلى وطنه، ويحن إلى لحظات الأنس، لكن حبل الصرم يقطعه، ويرده سبب الوتد، فيئن ويأرن كما يأرن المهر، ويأله كما يأله الفصيل، فيصدر من داخل قلبه صوتا، يسمعه هو وحده، ويسمعه أحبابه من بعيد، وترتسم على محياه كآبة صفراء فاقع لونها ، تفزع الناظرين، فيشفق عليه أهل الوطن الجديد، ويرفقون به ويحسنون معاملته، وفاءا بحق الغريب، فسبحان الله، له في خلقه حكم، لا تدرك إلا بالتأمل حينا، وبمواقعتها أحيانا أخرى!!
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء