لمَّا قسا قلبي وما عاد له في الصلاة حضور
وخشيتُ موته وقد سَـكـنَ إلى الفتور
قصدتُ طبيبا ليداويَ قلبيَ المضرور
خارج المدينة هناك وراء السور
ليس عليه زحام فبابه مهجور
بل لا بابَ له أصلا فبابه مكسور
نعم ، قصدتُ زيارة القبور
على مَـدِّ البصر عـددها غير محصور
بعْضُها حديثٌ وأخرى مضتْ عليها عصور
وقفتُ وسطها أنادي بصوتيَ المقهور
يا سكان الأجداث إني اليوم لكم أزور
أرجو منكم جوابا فحالكم مستور
كيف أحوال قبوركم ظلام هي أم نور ؟؟
أين الأغنياء منكم ؟ وأين سكان القصور ؟؟
وأين الفقير الذي كان يَبِيتُ بغير فطور؟
ما أجابني أحد ! يا قلبيَ المخمور
ثم مضيتُ بين جـَنـَباتِ القبور أدور
وإذا بلوحة مكتوبٌ عليها بِطـَبْشُور
يا واقفا على قبري ومن لي يزور
سَلْ غفران ذنوبي من ربي الغفور
وكأنه ناداني وكأنه كـشف السُّـتـور
فصرخت قائلا : من أنت أيها المطمور؟
قال : لا عليك يا صاحب القلب المسجور
كنتُ من أهل المال قلبي به مأسور
في دار الفناء فرحٌ مستبشرٌ مسرور
زينة ٌ في الدور، ثيابٌ ، أناقة وعـطور
لأنالَ ما أشتهي أظلم دوما وأجور
حتى أتاني الموت صاحب الذِكر المغمور
فأنا اليوم من حالك يا حَيُّ غيورٌغيور
قلت: من أي مدينة أنت ؟ قال : من مدينة "
الناظور"
ثم صوتٌ آخر ناداني : وأنا من " بوجدور "
قلت : سبحان الله ، وهل أنت أيضا مكـدور!؟؟
قال : بل في
نعيم وبهجةٍ وحبور
كنت في الدنيا مُوَفَّقاً على ديني صبور
فقبري ـ يا سائلا عن حالي ـ كله نور
وأنيسي هنا عمليَ الصالحُ المبرور
لا تَغُرَّنك الدنيا واجمع ما استطعتَ الأجور
صوتُ امرأة ناداني متوجعا : أنا من " أزمُّور
"
حالي عويلٌ وعذابٌ وعظمٌ مكسور
كنت في الدنيا داعية للتبرج والسفور
أَسْتَميلُ الذكور وكم واقعٍ في فخي مجرور
مستهزئةً بالدين محبةً لأنواع الفجور
فها أنا اليوم أنَالُ جزائيَ الموفور
فقمت بعيدا عنهم تجاه قبر محفور
فقلت لنفسي وقد سالت من العيون بحور
يا طالبا جنان الخلد وزواج الحور
ما هكذا تُنالُ الأماني يا مغرور
لو تكلم كل الموتى ما انتهت السطور
أعلى عذاب الله أنت صابرٌ أيها المسحور؟
جَرِّبْ حَرَّ نار الدنيا وضعْ يدكَ في تَـنـُّور
فإنك غير صابر أو قطـِّع يدك بِسَاطـُور
فما بال عيشكَ على اللهو مقصور؟
أما لك في الخلق عبرة وحالهم مشهور؟؟
أم أنك خالدٌ تعتقدُ أنك لن تحور؟
بلى وربك ستحور وستندم ثم تبور
فيا رب اشهد أني تائبٌ يا غفور
وأنتِ يا سماءُ ويا أرضُ ويا أسْرابَ الطيور
وأنتَ يا نباتُ اشهدْ وأنتَ يا عصفور
لن أعودَ إلى ما أسْـلَفـْتُ في غابر الدهور
فَحَالي اليوم بَيِّنٌ واضح منشور
خرجتُ من الطبيب موقنا بالعبور
موقنا بعودتي يوما وإن طالتِ الشهور
محمولا على أعناق الرفاق بكفن وبخور
وحينها يبدأ سفري فإما إلى عذاب وإما سرور
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء