كان واقفا على
غصنه، منسلخ الجلد،
تائه النظرة، وقد كنت هناك، هكذا!! كما وصفتُ، بل ربما أنكى وأشد! عصفور منتوف
الريش؛ الشمس تحرقه، وتجمع حوله أضراب الحشرات، والظل يبرده ويبعث فيه الزمهرير،
فلا مفر! ولا راحة ولا مستقر!
ومرة أخرى، بالرمز
والإيماء والإشارة في خفاء، يكون التغريد والتفريد، فمن وعى فذاك، ومن لا! فليس
لمثله أكتب، فليعرض عن مكتوبي، فلن يفهم مطلوبي.. المهم ! بعد يومين من مغادرة
العصفور عشه، في هجرة نحو الجنوب، حيث ناداه مقام الهجرة وألح في ندائه، وبالغ في
رجائه، خصوصا وأن فراخه الذين لهم بسط جناح الذل من الرحمة، اشتدت حاجتهم، وضاقت
معيشتهم؛ فأغمض العصفور عينيه خوفا أن يلتفت، ثم طار! طار بعيدا! بعيدا جدا.. حيث
الشمس تشرق في احمرار وتغرب في احمرار، حيث يلتهب الجو ويضيق بالحَر الفضاء، حيث
تكشف الكواسر عن سيقانها، مستعدة للإنقضاض عن أي عصفور غريب، صدورها تجذب،
وأصواتها تكذب، تتربص بالضحايا دائما، ودائما أبدا تخطفها، فهل سينجو ذاك الطائر
الكسير الجناح، المجروح القلب، العليل الروح!؟
نعم كنت هناك،
ارمقه من بعيد، يبكي حين ينزوي عن الجمع، فينتحب انتحابا يقطع الأوصال، فكنت أرثي
لحاله وأبكي لنشيجه الشجي، فقد أشبهني وأشبهته، ولا يحس بالغريب إلا الغريب، ولا
بالمسكين سوى أخيه، فهيهات أن يعرف غير من ذاق هذا المقام مذاقه، الذي أذكره حين
رأيته آخر مرة عندما اضررنا للفراق، انه كان يحتضر، ولا أظنني يومها إلا قد متُّ،
موتا جزئيا يصعب أن أحيا بعده...
علي المرضي
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء