هذه الرواية الرائعة
للكاتب الحضرمي الكبير: علي أحمد باكثير، تروي قصة ملك عظيم قهر التتار في
معركة عين جالوت، التي لن ينساها التاريخ أبدا، فيبدأ الكاتب من ذكر سيرة
آل خوارزم شاه، وكيف كان جدهم قارعا للتتار يصدهم عن بلاد المسلمين في خوارزم وما
جاورها، حتى انتهت به الظروف حين خطفت زوجته وأخواته من طرف التتار إلى جزيرة
نائية مات فيها حزنا على مصير نسائه المجهول، فبقي سليل العرش جلال الدين على سيرة
أبيه لا يغمض له جفن ولا يقر له قرار إلا أن يهزم التتار ويلحق ثأر أبيه وأمه
وعماته، فصادف يوما وهو يعد العدة لقتالهم أن استدعى منجما، يستقرئ له طالع الحرب،
فقال له ستكون لك الغلبة أول الأمر لكنك ستهزم آخر المطاف، ثم بشره أنه سيولد غلام
في بيت الملك يكون ملكا عظيما يلحق بالتتار الهزيمة الكبرى، وكان ما كان، وكذب
المنجمون ولو صدقوا.
وكان من قدر الله أن
زوجة جلال الدين وأخته زوجة قائد الجند كانتا حاملين معا، وكان أخوف ما يخاف الملك
أن تلد زوجه أنثى وتلد أخته ذكرا، فينتقل الملك لولد أخته، وذلك ما كان، فقد ولدت
زوجته فتاة سماها جهاد، وولدت أخته غلاما سماه محمودا، وقد سنح في خاطر الملك أن
يقتل هذا الولد لولا أن الله قذف الرحمة في قلبه لما رأى دمعات أخته على ولدها
الرضيع، فقام واستعاذ من شر هذا الخاطر القبيح، وما لبث أن اشتعل أُوَارُ الحرب من
جديد، فخرج قائد الجند والد محمود ليقاتل التتار، ليموت بطلا مغوارا في خضم
المعركة، فصار محمود يتيما، فحنَّ عليه خاله وصار له كالوالد، بعد أن ضم أخته
لقصره.
وتمضي الرواية في سرد
طفولة هذين الصبيين، كيف يلعبان، وكيف ينشآن، حبيبين حميمين، تتغامز أمهاتهما
ترجوان أن يكونا زوجين أليفين، ولكن جلال الدين على حبه لهما، كان شغله هو حماية
بلاده من التتار، فكان يقود الجيوش ويعد العدد، وكلما استنجد بالملوك المسلمين في
بلاد العرب من الشام ومصر، واستنصرهم واستعانهم، خذلوه وطرحوا أمره، فكان يغضب
لذلك وينعي عليهم حبهم للملك على حماية إخوانهم المسلمين، من خطر يتهدد الجميع في
أرض الإسلام.
وما كان لمعركة
التتار أن تخمد، فقد اكتسحوا البلاد وقتلوا العباد حتى وصلوا إلى قريب من بلاد
الملك جلال الدين، فخرج لملاقاتهم، وأخرج معه أهله وولده، ولما حمي القتال وخاف
الهلاك، سرَّب ولديه جهاد ومحمود، مع خادمهما الشيخ سلامة، وتواعدوا في مكان إذا
هم نجوا، فكان انهزام جلال الدين وهروبه بأهله، حتى إذا وصلوا نهرا جاريا، والتتار
خلفهم، استغاثت النساء به، وترجينه أن يقتلهن حتى لا يقعن أسيرات بيد التتار
المتوحشين، فقام بإغراقهن ودمعه ينزف، فغرقت أخته وزوجته، ثم ألقوا جميعا بأنفسهم
في النهر، فلما وصل التتار أيقنوا أن جلال الدين قد مات...
الموت والحياة بيد
الله، فقد نجا جلال الدين مع بعض رجاله، ليجد نفسه منهزما في الحرب ذليلا، قد فقد
الملك والمال والأهل، فسار إلى الهند واستولى على بعض القرى، وصار يكون دويلة وحده،
هذا وهو لا يدري شيئا عن مصير ولديه، فقد حملهما الشيخ سلامة الهندي إلى قريته،
وادعى أنه اشتراهما ليكونها له عونا وهما حينئذ طفلين صغيرين يلتصق أحدهما بأخيه
لا يفهمان ما يجري حولهما، ويشاء الله أن يصل خبر جلال الدين إلى الشيخ سلامة،
فسار إليه بولديه ففرح بهما فرحا ملأ عليه الدنيا وأعاد إليه الأمل في الحياة.
بقي جلال الدين مع
ولديه يعيشون في مملكتهم الصغيرة في الهند، يدربهما على ركوب الخيل والقتال والصيد،
وكان يزرع في قلب محمود أنه قاتل التتار وهازمهم، وكان هذا الغلام الصغير آية في
الذكاء والقوة ورباطة الجأش، وكان يحب جهاد ويكن لها في قلبه مكانة عظيمة، وهو لا
يدري ما يكون في غد..
قبل أن يبدأ جلال
الدين معركة أخرى مع التتار، وخلال مناوشات بينهما، علم أنه يحتاج لقوة ومدد حتى
يهزم جيش جنكيزخان الوحش، فأرسل كما فعل أبوه لملوك العرب يستعينهم ويستنجدهم،
فردوا عليه بأسوأ مما ردوا على أبيه، فقرر أن يغزوهم، ويا ليته ما فعل، فقد خرب
البلاد وسبى الأطفال والنساء، وظلم بذلك ظلما كبيرا، فكل هؤلاء الأبرياء لا ذنب
لهم في تخاذل ملوكهم وتسلطهم، فكان ذنبا عظيما اقترفه جلال الدين، وعاقبه الله
سريعا، فقد لحقه جماعة منهم عند رجوعه، واختطفوا ولديه وقتلوا حارسهما، واختطفوا
الشيخ سلامة معهم، فكاد جلال الدين يجن، عند علمه بالخبر، فأوقف الجيش يبحث عن
ولديه، يصيح ويصرخ كالمجنون، ويشرب الخمر ويعوي باكيا يطلب ولديه، فرق له رجاله
وبكوا لبكائه إلا أن الوقت يداهمهم فالتتار علموا بالأمر، وبدؤوا بالزحف على
بلاده، وهو لا يكاد يفيق من حزنه المسكر؟
ولما أفاق من سكره
حين وصل إلى أحد من اختطفه، أخبره أنهما بيعا لأحد تجار الرقيق إلى الشام، فتمكن
منه هذا الباغي فقتله بطعنة نجلاء وهو يرثي حال ولديه المسكينين لا يدري مصيرهما،
وكانت الفاجعة من قِبل التتار.
سيق الولدان من آل
بيت الملك، عبدين رقيقين لا يرتق لهما دمع، حتى وصلا للشام ليجدا عند سيدهما الذي
قرر بيعهما غلاما آخر هو الفتى الأشقر الشقي بيبرس، والذي ستكون له قصة مع محمود،
الذي لم يعد محمودا بل سماه سيده باسم: قُطُز وسمى جهاد: جلنار، وسيقا فبيعا لرجل
صالح تولى رعايتهما حتى صارا شابين، ووعدهما بالعتق وتزويج بعضهما لبعض، كل هذا
وهما يكتمان أصلهما الشريف، ويرضيان الرق والعبودية لهذا الرجل الصالح، ولكن
الأحزان لا تأتي فرادى، فموسى ولد سيدهما كان سكيرا عربيدا، يكرههما لمكانهما من
والده فمحمود صار ذا ثقة عند أبيه وأمّنه على كل أمواله، فكان يكرهه وجلنار ويؤذيهما،
فما إن مات سيده حتى تسلط عليهما، وقرر ذبح قطز لا بالسكين بل بأمضى من ذلك، فقرر
بيع جلنار وإبعادها عنه وبيعها لتاجر رقيق بمصر، وكذلك كان.. ولما خلا القصر من
الحبيبة حزن قطز ولم يعد يرى للحياة معنى، وبينما هو جالس مع خادم صاحب القصر
المجاور لسيده، وكان حبيبا له، إذ جاء سيده المفتري موسى، فسبه ووبخه وصكه على
وجهه، فلما تولى أجهش باكيا، فهداه صاحبه وقال له متعجبا: كيف تبكيك ضربة كهذه يا
قطز، وأنت من انت ؟ فقال الله له: لم تبكني الضربة بل سبه لوالدي وهما خير من
والديه، فتعجب صاحبه وقال له: لا يا قطز فوالداه مسلمان ووالداك ليسا كذلك، فقد له
وما أدراك، بل أنا سليل بيت الملك وذكر له سره..
ومن ثمَّ دبر له خطة
ليتم عتقه من سيده الظالم، ليشتريه هذا الجار الصالح، وكذلك كان.. وهذا آخر عهده
بموسى الظالم هذا؛ بقي قطز في خدمة سيده الجديد الصالح، يعطف عليه ويقربه لمـّا
علم سره، واتصل بالشيخ ابن عبد السلام صاحب سيده، يحضر دروسه ويتفقه عليه، وينشطون
جميعا لمواجهة ظلم أمير دمشق الذي يمالئ الروم على أهل الإسلام، وذلك ما زاد حنقهم
عليه؛ وهكذا صارت لقطز مكانة أخرى بين سيده وشيخه، فقد صار سفيرا بينهما وحافظا لسرهما،
وهنا كانت انطلاقته، حين رأى رسول الله في المنام يبشره بمُلك مصر وبقهر التتار،
فقصها على شيخه، وفرحوا بها فرحا شديدا..
كانت الحرب ناشبة بين
ملك مصر الصالح، وأمير دمشق القاتل الغادر، وكان قطز في جيش دمشق في خطة ينقلب بها
على أميره لينهزم ويندحر، وكذلك كان أمره، فقد قلب المعركة بخطة ذكية لصالح الملك
أيوب ملك مصر، ثم التحق بمصر، وبدا بحثه عن حُلميه: مُلك مصر، والعثور على حبيبته
جلنار، فجعل لقوته وأمانته يترقى في المملوكية حتى صار الخادم الأول لقائد الجند،
وبدأ يدخل القصر ويتردد عليه، وهناك عثر على حبيبته بعد بحث طويل وشاق، فقد رمت
بها الأقدار لتكون وصيفة الملكة المقربة منها، ووجد هناك صاحبة الأشقر بيبرس، قد
صارت له مرتبة في الجيش لقوته وبسالته، فصارا حبيبين خليلين، رغم أن كل منهما كان
خادما لعدو سيد الآخر، وهكذا تمضي الأيام...
لا أريد حرق الرواية
على من يقرؤها، رغم كوني أجد لذة ومتعة في إعادة سرد القصة في خطوطها العريضة،
المهم، توالت النكبات في الدولة، حتى مات الملك وخلفه سيده، فصار المقرب من ملك
الدولة، ومن ثم تزوج سيده الملكة وتزوج هو وصيفتها جلنار وحبيبة قلبه، ليعيشا على
حب ووئام، لم يكن له أن يطول كعادة كل الروايات، فقد دبرت الملكة خديعة وقتلت
زوجها، وصارت تحكم، فقضى الشيخ ابن عبد السلام وغيره على قطز أن يتولى الملك بنفسه
ليحمي الدولة، وكذلك كان...
ها قد تحققت بشرى
رسول الله فصار ملكا، وليس له إلا قتال التتار، وما أصعبه من منال، وقد اعد هولاكو
جيشا بدأ يقص به الأرض الإسلامية من أطرافها، فاكتسح الشام وزحف على غزة، وهو إلى
مصر اقترب، فجعل يعد العدد ويجمع المجاهدين، وجرد الأمراء من أموالهم لتجهيز
الجيش، وجعل صاحبة بيبرس رئيسا للجيش، بعد خصومة كانت بينهما حين اجتز قطز رأس
سيده، فعادت بينهما المودة، وسير الجيوش لقتال التتار، ومكنه الله من النصر وأذل
عدوه وقهره.
وبعد هذه الصولات
والجولات، قرر قطز في نفس تسليم الملك لصاحبة بيبرس، لكن وأثناء رجوعهم لمصر، غدره
صاحبة وقتله ....
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء