·
الخاطرة
الحادية عشر:
قال تعالى: ﴿وَيَا
قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾
(غافر 41).
التاريخ يعيد نفسه
كما يقال، فهذه القولة التي قالها مؤمن آل فرعون، لازلت تصلح لكل زمان ومكان، حيث
يجتمع أهل الحق والباطل، فيرددها المؤمنون تثبيتا لقلوبهم في مواطن البلاء،
وتذكيرا لأنفسهم بأنهم على الصراط المستقيم.
كم تصلح هذه الكلمات
في عالم اليوم، فكل من يدعو الناس إلى الخير والبر، والهدى والرشاد، يتهمه أهل
الباطل بالنفاق والكذب والزور والبهتان، فهو يريد لهم الخير والنجاة، وهم يريدون
له الهلكة والبوار.
أنت تأمرهم بالعفاف
والصدق والقرب من الله، وهم يجرونك للمعاصي والفحش والفجور والسفور والبغي. ولكن
العاقبة دائما للمتقين.
·
الخاطرة
الثانية عشرة:
قال تعالى: ﴿وما
كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ (الأنفال، 33).
هذه الآية تدلنا على
ما يرفع الله به العذاب، ويمنع به العقاب، ألا وهو: الاستغفار والتوبة، فمن أدمن
الاستغفار أمن العذاب، ويفهم سر هذا من يعلم أن المصائب سببها المعاصي، كما قال
تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم﴾
(الشورى،30) فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ﴾ (النساء،40)، فلا يزال الله رحيما
بالعباد حليما بهم، ما استغفروه وما اعترفوا بذنوبهم، وما يرسل لهم الآيات
والعقوبات إلا ليذكرهم بالتوبة والأوبة والتضرع، كما قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا
إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾
(الأنعام، 43).
فهلموا بنا جميعا إلى
موائد الاستغفار ننهل منها، ونستجلب بها رحمة الله ولطفه، ونستدفع بها عقابه
وغضبه، ونقول كما حكى الله عن موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ربِّ
إني ظلمت نفسي فاغفر لي﴾ (القصص،16).
·
الخاطرة
الثالثة عشرة:
قال تعالى: ﴿يا
أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾
(فاطر،15).
هذا نداء عام شامل من
رب العالمين لجميع العباد، مؤمنهم وكافرهم، يخبرهم بحقيقة لا جدال فيها ولا نقاش،
أنهم هم الفقراء إليه، وأنه الغني الحميد، فلا يتوهمن مخلوق أنه غني أبدا، بل هو
فقير إلى الله، وما في يديه من نعمة فمن الله، ولو سلبه الله ذلك لما استطاع أن
يرده لنفسه (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذونه
منه ضَعُف الطالب والمطلوب) (الحج،73)، فلماذا
التكبر والتجبر والطغيان !!؟
وأخبر جلَّ ذِكره أنه
الغني، الغني عن كل العباد، لا يحتاج أحدا منهم، والغني أيضا بما عنده في خزائنه
الملأى بالأرزاق التي لا تنفد، فانظر كم أنفق منذ خلق!!
فيا أيها الفقراء
المحتاجون، سلوا ملك الملوك، ربَّ السماوات السبع، ذا الخزائن الملأى، الغنيَّ
الحميد، أي المحمود على أفضاله، فإنه كريم، مُعطٍ، لا يرد السائلين..
·
الخاطرة
الرابعة عشرة:
قال تعالى: ﴿فَكُلًّا
أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ
فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ
وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ۚ
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
(العنكبوت، 44).
فَكُلاًّ أخذنا
بذنبه: آية مخيفة مرعبة، فالمذنب إن أخذه الله بذنبه أهلكه فـــ ﴿إِنَّ
أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾، ومن أخذه الله لا
يفلته، ولذلك لازالت هذه الآية تقض مضاجع الصالحين وترهبهم وتبكيهم، فآدم نزل من
الجنة بذنب واحد، وإبليس غضب الله عليه بذنب واحد، وما يدريني –ويدريك- لعل الله
مقتنا وغضب علينا بذنب اقترفناه، فعاقبنا ونحن لا ندري، وأعظم العقوبة ألا تدري
أنك معاقب، فلا تتوب ولا تستغفر !!
اللهم إننا نتوب
إليك، فلا تأخذنا بذنوبنا، واعف عنا كما عفوت عن أبينا آدم، فلا رب لنا غيرك ولا
إله لنا سواك..
·
الخاطرة
الخامسة عشرة:
قال تعالى: ﴿وَلَا
يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ
إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ
يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (ال عمران،176).
تذكرني هذه الآية حين
أتلوها بهؤلاء الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا، هؤلاء الذي يمجدون الغرب ويمجدون
ملة الكفر، تذكرني بهؤلاء العلمانيين واللبراليين الذين يتأففون من دينهم،
وينزعجون من مظاهر العفة والحياء، هؤلاء الذي يريدون عيشة البهائم، هؤلاء الذين لا
خلاق لهم عند الله.
سبحان الله..كأن الله
يصفهم في هذه الآية، فهم يسارعون حقا في الكفر مسارعة عجيبة، فقد انتقدوا أحكام
الله، وانتقدوا أحكام رسول الله، ووصفوا دينهم بكل سوء وباطل، وتهجموا على أهل
الصلاح، إلى غير ذلك من السيئات التي تسود وجوههم.. فلا كثَّر الله أمثالهم،
وعليهم من الله وابل اللعنات.
واللهُ في هذه الآية
يخبرنا ألا نحزن، لأنهم لا يخفَون عليه، ولا حظ لهم عنده في الآخرة، بل عليهم
الغضب والمقت، فهم يؤذون الله ورسوله والمؤمنين، والله يقول: ﴿إنَّ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾
(الأحزاب،57).
·
الخاطرة
السادسة عشرة:
قال تعالى: ﴿وَقَالُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ
إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (فاطر،34).
هذا كلام قوم أكرمهم
الله غاية الكرامة، فأدخلهم دار الكرامة، أحلهم دار المقامة من فضله لا يمسهم فيها
نصب ولا يمسهم في لغوب ولا تعب، فأهل الجنة حين يدخلونها برحمة الله، يقولون هذه
القولة: يحمدون الله، لأن هذا المقام حصلوه بفضل الله فهم الذي نجاهم من النار،
وتقبل منهم أعمالهم، وجعلهم في مقام رفيع.
يحمدونه أن أذهب عنهم
الحَزن (بفتح الحاء)، وهو الشدة والكربة، وهي شدة الدنيا وكربتها، وشدة الحساب
وكربته، فإن أهل الجنة يجتمعون في الجنة كما أخبر تعالى ويذكرون هذه الكربة: ﴿وَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ(25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا
مُشْفِقِينَ(26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ(27) إِنَّا
كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28)﴾
(سورة الطور).
فالله منَّ عليهم
فوقاهم عذاب السموم، وهو عذاب النار، وأنساهم إشفاقهم في الدنيا وخوفهم فيها،
فاجتمع لهم الأمن من كل أطرافه.
وقالوا أنه غفور
شكور: غفور لأنه غفر ذنوبهم فلم يعذبهم بها، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل تجاوز
عنهم وصفح عنهم، وكذلك سترها عليهم في الآخرة، وهو شكور لأنه قبِل منهم أعمالهم
على ما فيها من خلل، بل جازاهم عليها وشكرها لهم فأدخلهم جنة عرضها السماوات
والأرض.
فاللهم برحمتك وفضلك،
اجعلنا ممن يتلو هذه الآية إذا دخل جنتك.
·
الخاطرة
السابعة عشرة:
قال تعالى: ﴿يَا
وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾
(الفرقان 28).
الصاحب أو الصديق،
والخليل أو الرفيق، أمره عسير غير يسير، فإما أن يقدمك ويُحسن حالك، وإما أن يؤخرك
ويوردك الموارد، ومثلُه هذا الذي ذكره الله في الآية، الذي يدعو على نفسه بالويل
والثبور وعظائم الأمور، لأنه اتخذ خليلا صده عن الله، وأغراه وأغواه.
وهذا عموما للرجال
والنساء، فكم من امرأة صالحة أفسدتها صاحبتها، بل أكثر فساد النساء من النساء،
تجرها للمعاصي جرا، وتزين لها طريق الغواية، وتكذب عليها وتزور لها القول حتى تزل
وتضل.
وأما الرجال فحالهم
لا يخالف ذلك، كما قال رسول الله ﷺ : (المرء على دين خليله، فلينظر
أحدكم من يُخالل) (رواه الترمذي/ صححه الألباني). فمن كان دينُ خليله صالحا
كان كذلك، والعكس بالعكس، فالصاحب ساحب، ألا فانتخبوا أصحابكم وأحسنوا اختيارهم،
فالمؤمن في الجنة مع من أحب، إخوانا على سرر متقابلين.
·
الخاطرة
الثامنة عشرة:
قال تعالى: ﴿أَفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾
(محمد،24).
لقد أنزل الله كتابه
القرآن، وجعله معجزة ناطقة، وبرهانا ساطعا، يدل على عظمة من تكلم به جل جلاله، فلا
ريب فيه، ولا عوج له، ولا اختلاف فيه، وهذا لا يدركه حق الإدراك، إلا ذلك الذي
يتدبره ويحسن التأمل فيه.
لقد منَّ له على قوم
فحبب إليهم كتابه، وجعلهم من أهله وخاصته، فهم لا يبغون عنه حِولا، ولا اتخذوه
مهجورا، بل اعتصموا به واستمسكوا بعُراه، فهداهم الله به، وعصمهم بسببه من الزيغ
والضلال.
وبالمقابل جعل على
قلوب بعضهم أقفالا، وجعل بينهم بينه سترا وحاجزا وبرزخا، فإذا تُليَ عليهم لم
يزدادوا منه إلا بُعدا، ولا تزداد بصائرهم إلا عمى، فطبع على قلوبهم واتبعوا
أهواءهم.
فمن أي الفريقين أنت؟
ممن يتدبر فيتأثر؟ أم ممن يسمع فلا يخش ولا يدمع؟ ممن حُبِّب إليه وبه يعيش؟ أم
ممن إذا تلي عليه اشمأزت نفسه منه والعياذ بالله؟
·
الخاطرة
التاسعة عشرة:
قال تعالى: ﴿قُلْ
إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ﴾
هذه الآية كانت تسمى
الآية الفاضحة، وذلك لأنها تعري وتفضح من يدَّعي حب الله تعالى بلا دليل ولا برهان،
فجعل الله لهم علامة حبه هي اتباع رسولهﷺ، فكشف بذلك الكاذبين والمدعين
والزاعمين حب الله.
هذه الآية مفادها
ومعناها: أن من لا يتبع رسول الله ولا يقتدي به ولا يطيع أمره، فهو لا يحب الله،
لأنه أخلَّ بشرط المحبة، وهو الإتباع، فلازالت هذه الآية إلى اليوم تكشف زعم من
يخبرنا أنه يحب الله وأن الإيمان معشش في قلبه، بينما تجده بعيدا عن السنة، ونائيا
عن الهدي المحمدي، وبائنا من التشبه بالحبيب النبي؛ فنقول له بمفهوم الآية: أنت
كاذب في ادعائك حب الله.
ومن هنا نعلم أن درجة
القرب من الله، تقاس بدرجة اتباع رسول الله ﷺ، وذلك لأنه أحب
الخلق إلى الله، وهو الدليل إليه، وهو المعلم، والمخبر عن محابّ الله، فهو يختصر
لك الطريق التي تسلكها، ويجعلك مضمون الوصول.
وباتباعك له، يحبك
الله، ويحبك رسوله، ويُغفر ذنبك، وتكون في زمرته يوم القيامة، وتحت لوائه، وتشرب
من حوضه، وتدخل معه الجنة، ويشفع لك عند الله، أفبعد كل هذا يزعم أحد حب الله ولا
يتبع رسوله !!؟ بل من لا يتبعه في الحقيقة
لا يريد دخول الجنة، كما في الحديث: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى). قيل:
يا رسول الله من يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)؛
رواه البخاري.
·
الخاطرة
العشرون:
قال تعالى: ﴿فَاسْتَمْسِكْ
بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
(الزخرف،43).
عندما تعصف الشبهات
على قلب المؤمن، فتزعزعه وتكاد تطير بإيمانه، لا بد له أن يتذكر أنه على الحق،
وأنه على صراط الله المستقيم، وأنه في نور من الله، فيثبت ويستمسك بدينه.
إن من استمسك بالقرآن
الكريم، واعتصم به، واكتفى به، لابد أن يعيش عيش السعداء، فيحيا حياة طيبة هنيئة،
ولابد أيضا أن يرفع الله ذكره، ويعلي شأنه، فيكون مميزا بين الأنام.
إن ما يميزنا عن
غيرنا، أننا نعيش وفق إرادة الله الشرعية، فنحن نحيا كما أخبرنا الله وحياً إلى
نبيه، فلا نخترع ولا نُحدث طرقا ووسائل للتقرب إليه، ولذلك نحن على يقين أن
العبادات التي نقوم بها، يحبها ويرضاها ويثيب عليها، فلسنا في شك ولا في تردد،
ولسنا ممن يظن ويخمن.
إن معظم البشر بعيدون
عن الله وليس على مراده، فمنهم من يجحده وينكر وجوده، ومنهم من يعبد غيره، ومنهم
من يشرك به، ومنهم من ابتدع في دينه، أما من يعيش بالوحي -قرآنا وسنة- فهو على
الحق المبين وعلى الصراط المستقيم، فهو ضامن -إن أخلص في عبادته- أنه من الواصلين،
وأنه من الناجحين، وأنه برحمة الله من أهل الجنة الخالدين.
#خواطر
#خواطر_رمضانية
#خواطر_قرآنية
#خواطر_قرآنية_رمضانية
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء